الرئيسية
كلما مضيت باعا ألتفت ، فأرى من خلفي مد البصر أحزاني تركض بعيدا ورائي ، فأركض وأركض إلى طيات الغد لأحتمي بها ، رغم علمي أن الماضي بعيدا لم يلحق بي .. ورغم أنني لا أدري أي الأحزان ينتظرني بها القدر ، لكن هول المرآى يستنفر أقدام هواجسي العرجاء ، وأجنحة ذاكرتي الكسيرة ، فأفر فرارا ، وأزحف زحفا ، أنصت لأسترق السمع هل من دبيب أقدام تخطو خلفي ، تقترب نحوي ؟ وأركض حذرة خائفة ! ما أغنى عني هوان قلبي ومشاعري ، أو رهف عاطفتي وهزال حنيني ، ما أغنى عني صدقي في دنيا تسارع في الكذب بلا هوادة أو رحمة ، ما أغنت عني دموعا لطالما غبنا عن العيون سويا واختفينا ، إتقاءا لمن لا يتركها تنهمر ، ولطالما لساعات ثقيلة من الزمان انفردنا ، ما أغني عني وما حماني وما ضمني ذراع قلبي ، إذ كان يشهد متعجبا صممه وبكمته ، على كل ما آذاني ، بل ازداد وابل الخوف وحل في أعتى شدة ، ورعدة ملأت كياني ، وارتفع طوفان الشك ، ليسوقني بقارب صديء من حذر ، لا يجدي في موج اللهفة نفعا ، ومن جبال الشوق يسقط وينثني ، أضلني الضباب بعد ما أيقن بعشى بصري نهارا وليلا ، بلسان منزوع منه براءة القول ، وحنان الحديث مسافر في قسوة أحرف ملساء ، لا ينبض بها الكلام ، تؤنبني توبخني ، وتعذلني ، وتكتب فوق قضباني سطور اللوم تعتبني ، تعبت أقرأ لك ذاتك تعبت أكون مرآتك ، أتيتك بمداد والموت جزء من حياتك ، آثرت على نفسي رفاتك الفاتك غرور نمت به جذور صفاتك ، من أين تأت باليقين ؟؟ والصبر كاد يسأمك ، والليل عن ظلمته يسألك ، بهت السواد من لوني ، فجئت أبحث في أديم جفنيك ، غضبت مني النجوم فقد أضعت حلتها وبريق وشاحها ، أين السواد لتستعيد رونقها ، قلت السواد ما استحللته أبدا ! لكن ليالي الحزن منك سرقته ، وفي عيني دسته ، فلا تبتأس لونك مازال في عيني .
