مذكرات أعجبتني (كتبتها إبنة في حب أباها) فأردت أن تشاركني الدنيا. وفاءا لعظيم لم يمر بمثله في عمري ..وما أندر العظماء ..ترددت كثيرا أن أحيي سيرته ، فهي حية داخل كياني ، وهي تستحق أن أحييها ، وأحييها ..وبالرغم من ذلك ترددت ، ولخشيتي ، وخوفي أن أبخسها مثقال ذرة من حق ، فأكون قد أنكرت ما لا يليق ، بتقدير ، وإجلال ، لازالا في دمي يضخان في قلبي وروحي. لا أحد يعرف قدرك مثلي .. فالزهرة تعرف قدر جذورها .. والشمس بالأفق ، تعرف قدر مدارها .. والشجرة تعرف قدر الماء .. الذي رواها ، حتى اشتد ساعدها ، وانتشر ظلها ، اليوم ياحبيبي أعزي فيك نفسي ، وأفترش ذاكرتي أمام ناظريا ، وأستعيد ضحكي ، وبكائي ، وهدوئي ، وشقاوتي ، ويديا الصغيرتين في حضن أصابعك ، وأنسق زهور ملامحك في وجدي ، وأقبل على جبين الخيال صورتك ، وأبدا لن أنسى طابع الحسن ، الذي تركته لي ، منك في الروح ذكرى ، وحياتك لم تغادرني .رأيته من بعد القوة ، قد أخارت الشيخوخة قواه ، وبدا الكاهل في التهدل رويدا ، رويدا ، وعيناي تتابع كل يوم في حذر ، وحين هدل تماما ، علمت أنها النهاية ، وطامتي الكبرى ، ومصرعي ، وهمست فيك ، ياحبيبيهل أنت مودعي ؟ أما بقي في العمر بقية ؟ وهل تختارك الأن المنية ؟ وعلمت أنك راحل ، ما بقي في الألبوم لنا سوى لقطتان ، وتغلق الحياة في عيني كل الصور ، وقد كان .. ما نفع الحذر ، حتى النظر ، إليك ما أشبعته ، وما شبع من سوى الدموع ، وينابيع القهر ، وغاب عني في غياهب الثرى ذاك الحبيب الذي شبهه يوسف بالقمر ، وهنا سأخبر الورى عنك يا عزيز روحي ، يا فقيد قلبي المنكسر. رأيت والدي في أبهى حلل الصبر يتهادى ، نعم وكيف لا ؟ وقد كان والدي يوما ، أحد اؤلئك الجنود البواسل الذين تصدوا للعدوان الصهيوني ، في الملحمة البطولية بالسادس من أكتوبر من عام ١٩٧٣م ، ورأى من المهالك ما لم يرى ، وما لا تستطيع الخوافق إحتماله ، وكيف لا ؟ وتلك الأعصاب وذلك الدماء إعتصر اعتصارا ، وهو يلملم في كل لحظة أشلاء ، وأعضاء رفاق الكتيبة ، والحلم ، والطريق إلى الحرية ، واؤلئك منهم ، كم تعلم الصبر !! وكيف لا ؟ وهو الطالب ، والمعلم !! وهو اللاعب ، والمدرب !! وهو المريض ، والحكيم في آن واحد .!! كان الصيد في مرحلة أخرى من حياته ، هو سبيله إلى المران على الصبر ، علمني أن الصيد تدريب ، وتهذيب للنفس ، عندما يجلس المريء ملقيا بصنارته إلى القدر ، والنصيب ساعات طوال !! ربما تبدأ من بعد صلاة الصبح ، إلى ما بعد صلاة العصر جالسا في صمت ، وتأمل ، وانتظار لما قد يجود به البحر ، أو قد لا يجود ، أعطي القليل أم لم يعطى ، يرحل عنه متأدبا في كلتا الحالتين ، أخبرني والدي أنه ما كان ينتظر السمك ليرحل به في سلة السمك ، ليأكل منه لحما طريا ، وطعاما شهيا ، بل كان يشحن الصبر من أقراص الإنتظار الصلبة ، علمني والدي كيف يسمرني الجلد فوق بلاط الموقد بقدم من حديد . رأيت والدي يعود عدوه في مرضه ، ويربت على كتفه متمتما ، بكلمات تحمل معاني الدعاء له ، وطلب الشفاء ، والأجر من الله في أصدق معاني المؤاخاة ، وكأن ذلك العدو بالنسبة له ولي حميم ..ورأيت بالمقابل عدوه قد استشاط من تلك الزيارة ، واهما ذاته بأخذها على محمل التشمت ، والتشفي ..ووالدي يبتسم له ، إبتسامة حنونه تنطق بمعان سامية من التسامح ، والخير الكبير الذي كان في قلب والدي. وذلك مما أعانني في مواقف حياتي ، علمني والدي كيف أوجه وجه عملي ، نحو إرضاء الله ولو كانت النفس تلمني ..وإن كان الموقف ضد هواي ، ورغبتي.. علمني كيف أسيطر على مشاعر الدونية ، وعدم التقدير ، التي قد يصدرها بعض الناس من خلال الشك ، والمحامل الكثيرة الظنون ، أو إستصغارا ، واستهانة بالعمل الذي يقدم إليهم ، علمني كيف أبتسم وينشرح قلبي عندما تدفع الحسنة بين يدي ، بالسيئة لديهم ، وعندما يدفع الخير بقلبي بشرورهم ، فإنما أنا أعامل إلهي ، وليس البشر ، فأقدم له ، وأنتظر منه ، فإنه كريم، وعطاءه عظيم ، وأجره ليس كمثله أجر ، فذلك ما يحملني على الصبر ، والرضا .. وذلك مما رأيت عليه والدي رحمه الله .. شيمتك القناعة رأيت والدي متربعا على عرش القناعة ، والرضا كم كانت عبارته المعتادة ، يا ابنتي ( نحن الذين إذا شممنا ظهور أيادينا شبعنا ) كان تعبير غريب .. لكنه عميق يحمل بقدر عمقه من معان الرضا ، ما لم يستوعبه إلا الراضون بما قسمه الله لهم من بين عبادة ، قليلا كان أو كثيرا ، ذلك النهر الذي شق بوادي الخلق العظيم ، فترقرت منه جداولا شتى تروي نبت الفضيلة أينما تجلى ، فاشتق لي بستانا به من الزهور فصائل ، وفضائل ما به ..علمني والدي الرضا في أرقى معانيه ..و كيف يتساوى مقداره عند العطاء ، وعند المنع فتتساوى كفتي الميزان ، وهذا الجدول أيضا من ذاك النهر ، الله يحب ذلك العبد الذي لا يفرح بما أوتى ، ولا يأسى على فائت ، ويبتغي بين ذلك سبيلا ، وتلك عبادة لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم ..والحمد لله رب العالمين ..ورحمة وصلاة وسلاما على أشرف المرسلين معلم المعلمين ، ورحمة على من علمني كان والدي قليل الكلام ، طويل الصمت ، يطول صمته ، حتى يشتد جنوني ، كنت أحنق من ذلك في نفسي ، عندما كنت أستفيض في الحديث عن أمر ما ، وأنتظر منه أن يشاركني تلك الإستفاضة ، والحوار المزدحم ، ورغم ذلك يخيب ظني ، وأستمع منه إلى القليل من الكلمات التي تجزي ، وتفيد ولا أكثر ، ولا أقل لكنها لا تشفي غليلا ، ولا تشبع نهم راغيا مثلي ، بل إن نزقي ، ونزوحي عن حكمته كانا يحملاني على الرغبة في كثرة الكلام ، والإعادة ، والزيادة ، (اللماضة) كما كان يصفها والدي ، والتي ليس منها فائديخ ة إلا إضاعة الوقت ، واستنزاف الجهد ، والخوض فيما ليس منه فائدة .. وعندما صرت كبيرا جدا ، أراني كهلا !! أعادتني الذاكرة إلى إرثي الثمين ، والنهج القويم ، الذي دفنته عمرا لا عقل له في رأسي ، وعلمت أنه من طال صمته تجلت حكمته، وقرأت في أحد الأيام كلمات لحديث شريف تعني ذلك جيدا ، أي ما تعلمت من والدي في الصبا ، الآ وهي ( إذا وجدتم الرجل يطيل الصمت فاقتربوا منه ، فإنه يلقي بالحكمة ) وليس في ذلك هزل ، أو أنها كلمات بلا معنى ، بل هي كنوز لا يعلم قيمتها إلا من أدرك لها سبيل ، إن الصمت الطويل يدعو للتأمل ، والتأمل يدعو إلى التفكير ، والتفكير هو أول نزل لإستضافة الحكمة ، بل ولإقامتها ، وقلة الكلام تدعو لكثرة الإستماع ، وأذكر مقولة والدي الحبيب ( يا ابنتي تعودي أن تسمعي أكثر مما تتكلمي ) فتعلمت أن كثير الكلام ، كثير الخطأ ، ربما ليس في حق أحد ، بل في حق ذاته ، وفي حق العقل ، والحكمة اللذان يقتضيان ، إن شاء المريء تحليا بهما ، الإلتزام ، والتؤدة ، والهدوء في جميع الأمور ، فلا يسمح لكلماته بالخروج قبل عرضها على فلاتر العقل ، وحتى التأكد من سلامة اختيارها في المواقف المختلفة ، والمناسبة لها ، فلا ندم ، ولا استرجاع لما فات ، يجدي عند البشر . شيمتك العدل رأيت والدي وقد حباه الله بقوة في بدنه وعضلاته ، وبالمقابل منحه رحمة ورأفة في قلبه ومشاعره ، كان العجب يجد في رأسي مضجعا .. فتارة أراه الثائر الجبار في مواجهة الظلم !! وتارة أخرى أراه يحبو على ركبتيه وراء طفل يداعبه ، ويلاطفه ، وينحني ليقبل يديه الصغيرتين ، وربما يظل ساجدا إقتضاءا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينتهي الصغار من اللعب فوق ظهره أثناء صلاته !!أن تجمع له المتناقضات في قلب واحد لا يملك سواه ، تلك هي المزاوجة العجيبة !! أن يراه البعض عنيفا قاسيا ، والبعض الأخر يراه رحيما حانيا ، كيف تتزن الأمور بميزان العدل في نفسه هكذا ، فيبقى الخوف ، والأمان ، ويبدي القسوة ، والحنان كل ذلك في قلب إنسان وهكذا كنت أعجب ..علمني والدي أن القوة دون رحمة ..تصنع وحشا ، وليس إنسانا ، ونحن لا نعيش في الغابة . شيمتك التسامح فليس أكثر من يطعنك أحدهم ، من ذوات الأرحام ، بسكين حقيقية !! وتظل بين الحياة ، والموت ، في رحلة عذاب بالمشفى ، وعندما تتعافى ، وتستعيدك الحياة ، تسامح من كاد بك ليقتلك ، لمجرد مجلس يعقده كبراء القبيلة ، ويجمعا الخصمين للتصالح !! كل هذه البساطة !! أن تتغاضى عن مكر أحاط بك السوء ، وكاد أن يذهب بحياتك في لحظات ، ليصبح الكائد ولي حميم !! علمني والدي أنه ، يستطيع قلب الإنسان ، أن يسع تسامحه أشد الأذى ، وحتى أقبح تصرفات البشر ، منذ ذلك اليوم إلى أن فارق والدي الحياة لم أجده لهؤلاء ، إلا محسنا .. وقياسا بهذا كان سمته بين الناس فرحمة الله عليه. شيمتك النبل لم أكن أعرف ، إلى تلك اللحظات العصيبة التي كنت أودع فيها والدي ، وأستقبل فيه العزاء من محبيه القريبين ، ومن فروع قبيلته البعيدين جدا ، الذين لم أعرفهم طيلة حياته ، أو حتى أسمع عنهم ، المعنى الحقيقي المتجسد في كلمة (نبيل) .تضافرت ظروف حياتنا قبل أكثر من خمس وعشرون عاما ، بخمس وعشرون عاما أخرين ، أن تصنع أناسا أكثر نبلا وشرفا ، ممن هم يسيرون فوق آثار أطلالهم ، ويسكنون ديارهم ، ويملكون تركاتهم اليوم ، ولم يبلغ مسيرهم أشبارا معدودة من الأخلاق ، في رحلة أميال هؤلاء ، أللهم إلا ثلة منثورة في الورى ، لا يعلم مستقرها ، ومستودعها إلا الله ، لكنني عثرت على أحدهم ، ولكن بكل أسف في اللحظات الأولى عقب رحيله ، نعم لم يخطر ببالي أن والدي من هؤلاء ، الذين كانت تروي جدتي أساطيرهم ، وإن صح القول ، هم اؤلئك الذين بكت عليهم السموات ، والأرض ، أذكر أنني عقب انتهائي من نوبة بكاء حارة ، كانت تراودني من حين إلى أخر في ذلك اليوم ، لقد كنت أذهب ، وأؤوب في حرملك نسائي مكدس ، وإذا بإمرأة تمسك يدي ، وتبادرني بسؤال : هل أنت إبنته قلت نعم ، قالت : من أنت فيهم ، قلت : الكبرى ، قالت أنت الأكثر شبها به ، طأطأت رأسي حزنا في صمت ودموع ، قالت نصا : إن والدك كان كافلا للأرامل ، واليتامى ، وأشارت بيدها إلى امرأة شابة لتقترب منا ، لكي تعرفني بها ، وأخبرتني هي الأخرى أن والدي هو من تكفل بتجهيزها كاملا للزواج هي ، وأختها ، لم يدهشني ذلك ، بل أعرف كرم والدي ، ولكن الذي أدهشني حقا !! وجعل رأسي يدور ، هو أنهما ابنتا ألد خصيم له !! كان شديد البخل على زوجته ، وأولاده ، كنت ولأول مرة في حياتي أسمع منهما ، ما لم يخبرنا به والدي قط ، وحين انفض الجمع الغفير ، وانفردت بأمي سألتها عما سمعت ، وكانت الدهشة الكبرى !! أنها هي الأخرى للمرة الأولى يمر عليها الخبر !! إلى هذه الدرجة كنت نبيلا !! كم كان يسوءني أن رحلت عني ، دون أن أستفيض في تقبيل قدميك ، ويديك المباركتين ، فخرا لي أن كان والدي نبيلا ، وما أندر النبلاء . أذكر جوارك ، دوامة اغتراب عن ذاتي ، إبتلعتني أغرقتني بين الوعي ، واللاوعي بين الإقدام ، والإحجام ، أأبقى بجوار طفولتي ؟؟ أم أرحل عنها ؟؟ وإلى جانبك الحوض تتوضأ ، وتخاطبني ، بلهجة المحزون ، ونبراتك تتلبدها غيوم البكاء ، وحروفك تخرج موافقة لرعشة صوتك ، وهي تقاوم الدموع : -(يابنتي ربما لا تتقابل الوجوه مرة أخرى ، فانصتي لي جيدا ، واحفظي عني هذه الكلمات ) ..، حاضرا يا أبتي .. وبلهجتنا العامية قال مرتعش الصوت يكتم أحزانه : ( متسمعيش للناس اللي بيقولوا ، البلد اللي محدش يعرفك فيها ، أعمل اللي على كيفك فيها ..لا أحنا بنقول البلد اللي محدش يعرفك فيها إحسن أدبك فيها..، والبعد عن الناس في زماننا غنيمة .. حافظي على نفسك ، وأولادك وأطيعي زوجك إلا أن يأمرك بإثم .. كوني له أمة يكن لك عبدا .. لقد أطعمتكم حلالا فلا تقبلي ولو عرضت عليك الدنيا ، وما فيها ..فما عند الله خير وأبقى .. واكبري .كانت نبراته ، ملبدة بالغيوم ، غير أن المطر كان من نصيب سجادة الغرفة ، والفراش ووسادتي البيضاء ..فما لبثت أن أنهى حديثه ، وذهب يصلي .. إلا وسارع الدمع ، يتطاير في الهواء يمنة ، ويسرة !! وأنا أتظاهر بالإنشغال ، حتى لا يشعر بي أحد .. يتردى فؤادي .. والحب سحائب في أقصى عنان وانتحار الورد محتوم .. .. لو يفارق الماء الجنان مغلولة بأشواكي رحيلا .. مغصوبة العود والبنان ليت ماكانت الوردة ، أغرقني الحزن الطوفان ليتها حلم في جفن لوحة ، أو هاجس بخيال فنان ليت ما كبرت الوردة .. ما تاقت الورد ما صعدت الوردة ، فوق أكتاف البنفسج وما هوت من شرفات الزمان كل ما قاله في ميزان..، و(ربما لا تتقابل الوجوه ) في ميزان أخر لتطيش كفة الحزن والوداع ، والخوف ، والمجهول . لتودع أيامي ، ولتنعي أحزاني في ذاك الحضن طفولتي .. يبدو أنني كبرت للدرجة التي تجرأت الحياة أن تحيك ثوبا من الغربة ، لتلبسني إياه ، وتزفني إلى رحيل طويل ، تشيب به الروح وحشة ، وتصنع مني الغريب .. يا أبت حرصت أن ألزم وصاياك ، إلا قليل .. أحسنت ، وحافظت ، وأطعت ، وعزفت ، لكن الطفلة حتى بعد اليتم أبت أن تكبر !! مثلك أنا اليوم يا حبيبي ، بارا كنت..وأذكرك .شريكتك اليوم أضحت تشبه كثيرا جدتي ، وأمسيت أنا أشبهك كثيرا ..أتلبس بك لكأنني أنت ، حتى تمنيت أن أراني في المرايا أنت ، ولست أنا !! اليوم في بحر الحياة ، قد إعتلتني موجة من التعب ، والإنهاك ، والتفت حول رأسي عصافير الذكريات .. تنقر واحدة تلو الأخرى .. وتمد أجنحتها بلوحات قديمة ، وصور .. ولازال العرض مستمرا !! ترى لمن هذه الصورة ؟ إنها الفريدة ، الرشيدة حبيبتك ، وحبيبتي !! نعم هي والدتك ، وجدتي .. وإلى الجوار أنت تمشط الحرير النائم من شعرها .. والعطر في يديك .. تعطر كفها ، وحدود وجهها وتقبل جبينها .. وتسأل عن رأيها ،، هل أعجبك ؟؟ وتدعو لك بدعائها المفضل (..) هكذا كنت أتابعك ، لأسجل شريط حياتي القادمة .. وأنا أقسم سرا لا أحد يضاهيك في الحنان ، والبر بأمك .. وأخفت حديثي لنفسي .. سأفعل بأمي مثلما تفعل ، وأكثر .. أتعلم ..اليوم كبرت ، وكبرت كثيرا هلا تخيلت الأن ؟!.. اليوم شعرت بأنفاس العمر تتهدج .. وأصنع مني عكازا تتوكأه شريكتك .. يختلجني الخوف في صمت ، ورجفة تهتز لها روحي .. خائفة أنا مما يخلف الحاضر عند رحيله .. وأريد أن أرحل إليك ، فارا من عجلة الأيام ، وفجأة القدر ، وطاحونة الأحزان أراها تهتز ببطء تتأهب للعدو بقسوة ، أماه لا تتركي من بدونك ، ليس سوى وجه زائف للحياة ..ليس سوى ميت ، وبالمريا يتحرك في جسد تلك الفتاة أماه لا تتركيني عيون تغط بحزن طويل وزفرة بألف آآآه ..لا تفطمي وليدك على جوع .. وتطعمي فؤاد اليتيم بحرقاه ..لا ترحلي فتزهقي أمل الوليد .. وتوقدي مشاعل اليأس بدنياه ..بين السطور أكتب رسالتي عسى أن تصلك يا أبتاه . هل آتاك اليوم حبيبي يا تؤام الحب ، تقطعت نياط القلب ، اليوم غامت السماء ،وما وطئت قدماي حزن أرض فاقدة كذاك الذي أغرقت فيه ، بكت السماء ، وذاك الأنين تأثرا لنحيبها ، والأرض للآن تبكي وداعا ، لعائد قد نام في أحشائها ، راودتني الأحاديث ، والذكريات تجيشت ، واصطفت كل الصور أمام عيني التي..لم تحتمل قصص الفراق ، فأدمعت ،رحل الحبيب اليوم ، وما خيره الرحيل ..وبقي الحنان الذي في ذاته ، لقاء مستحيل ، وتلمني روحي كيف كنت اليوم أصمت في ذهول .. دون أن أبكي أو أنتحب أو من حياتي أستقيل ..وأنت الحبيب الذي آتاك الحبيب ..اديتكما في وحشة ..وصرخت فما من همس ،ولا مقيل .فهل لي بكما من رجعة ..أم لي إليكما سبيل ؟ قلت لا كرب على أبيكي بعد اليوم !!وتناسيت أن الكرب تمدد ، واستراح في قلبي !! وأي كرب يقصده الموتى !؟ الذين هرولت بهم حقائب الموت إلى مرافئ الرحيل ، وكل أحبتي موتى ، يموتون بعد أن يبلغ الحب رشده ، بعد أن يبلغ الود أربعين سنة ، بعد أن أوزعت روحي بالطمأنينة ، والبقاء ، لكنهما قد عادا يمضيان يتيمان في مدائن الحزن والذكرى ، وما الذي يمكنني اللحظة أن أفعل ؟ أو أن أقول ؟ وكيف أفسر لك ؟ ويد الضمير مغلولة ، وقافلة الكرب قد حطت رحالها ، واستعمرت ما بين العين ، والفؤاد ، بون شاسع من الألم ، استحوذ على بقاياي ، فمن بالله حمل الكرب من قبل ، ومن بعد !؟ بل قلي أنت متى ينشق الكرب عني في سبيل غيابك البعيد ، ومن بذاك الحب أهدي ، ومن بذاك الود أغمر ، وكل الأباء المرهونين على ذمة الرحيل ، ليس أنت ، وليس بينهم بك شبيه ، فمن بالله أخبرني حمل الكرب براحتيه جمرا ؟؟ ومن بالله أخبرني صار بعدك فوق أشواك الغياب عمرا !؟ ( بسمة الملكوت ) جئت لأعلم بتلك الروح ، أنت لا زلت حيا ، جئت تهدأ روع جنوني ، ما أشقى الناس حين لا يجدون دموعا تنعي محبيهم ، ولا يجدون جسورا ، تمنحهم ساعة لقاء متفردة ، وما أسعدني اليوم بحلولك بين أجفاني ، وخير الورى يسألني فأشهد ، ما أعظم أن نبني جسرا بين الضوء ، وبين النور ، تتناول الأقدام طريقا تشرق فيه محيانا ، أفلت كل الصور وأظلمت الأقمار الكاذبة ، إلا قمرا ليس كسائر الأقمار ، ما أروع أن تبسط تحت الأقدام سماءا ، تتلاشى الأرض ، والدنيا ..لا النجوم تشبهها نجوم ، ولا السماء مثل السماء ..ليس حلم ، وفوق الحقيقة ، أن يرى ما لا يرى !!، أن تكون بين الحقيقة ، والحقيقة واقفا ، بين الموت ، والحياة سعادة قاسية ، لكنك جئت لأذهب حيث ذهبت ، لأراك حيث المقام المكرم ، فأخلع قسوة أصابتها سعادتك ، وألقي فوق كومات الحزن قبورا ، بنتها الروح لتدفن بلحودها لقاءات عزت ، وضحكات سكنت ، لنعود هناك ، نلتقي في بسمة الملكوت أخبرتني بموعد رحيلك كأنه ألقي في روعك ..وأعددت حقائب وصلك بالبعيد ،وإنقطاعك عني ، ورتبت ساعاتك المتنازلة حتى ساعة الصفر ، المعلقة بين عيني دموعا ، وألقيت الوصايا وأسهبت في عدالة التوزيع ، حتى أنا لم تترك لي مساحات غامضة ، أتردد فيها بين الشك ، واليقين بأنك أخبرت بذلك اليوم ، وجلست ترتقب ، ولم تخبرني ما الذي يمكنني في غيابك أن أفعله تلقاء ذاتي .. ما الذي أكذب به عليها ، أو أعتذر لها به عن مفاجأة رحيلك .. وعن طول غيابك ، الذي ستمضي في سبيله مكلومة ، مكبوتة مقتظة بك ، محبوس صوتي حدادا لإنقطاع صوتك ، من هلامية ذلك الفضاء الماكث في احتوائي ..وأنظر حولى فلا أكاد أرى سوى قبورا ناطقة باسم الحياة ، تغط في محاولات فاشلة لتصدق أنها فيما يدعى (حياة ) ، وقلم تعس يرجو السلوان ، في قلب ورقة بئيسة ستهترئ ذات يوم ، وكأنها لم تكن ، يظل بتعاسة نداءك يتقلب ، وذاكرة شابة ترتدي شفاف الثياب ، في شتى الإتجاهات تقفز ، تركض هنا ، وهناك تتلاعب برمال الحكايا ، تبني هاهنا ماض قريب ، وتهدم هناك ماض بعيد ، وتعيد بناءه ، تحطم لتبني ، وتبني لتحطم ، شابة تنزع إلى نزقها ، وحمق صباها ، ولا تعي ، بأي القلوب زرعها القدر ، وخلف السطور تجاعيد الذكريات كالجدة الرؤم تطل برأسها ترجف أجفانها تأسفا ، ولم تخبرني من أين آتي بالصبر ، ولم تنصب له أسواقا ، ولم نعرف بأي أرض نزرعه ، والأرض لازالت معي من فرط الفراق تبكي. هنا يا حبيبي أسجل... عرفاني تأرقت بليل ، وبين النائم ، واليقظان كان قلبي .. راقدا ؟! أو ربما جالسا ؟! ، أو ربما في منطقة وسطى ! أبعد من هناك ، وليس أقرب من هنا !! تجلى إلى ناظريا عالم بالأفق !! وفي انتباهة حالمة لمحت ذاتي تتفتق عن ذاتي ، ليطل وجهك الحبيب من روحي على روحي ، وأتابع بناظري روحينا وكأنني ، وذاتي ، وذاتك ثالوث ليس يتوحد !! ثالوث حقيقي ينظر أحده إلى ثنائيه !! تمتد يدك الأثيرة ، فتأخذ بيدي الأثيرة ، ونمضي إلى الأفق ، نتسلق أوعر السحابات بأيسر ما تقطر الماء من في السقاء ، وأخف ما تبخر من آنية تأز من حر غليانها ، في رحلة الصعود ، كنت أتلمس ذاتي من وراء الحلم ، وأتلمسك ، لأصدق أن الحقيقة لحظة فاصلة ، وساعة صفر ، أجاد لعبتها الزمان بأصفار لا متناهية نقشت على أطراف القدر ، لأصدق أن الحلم الواقع في شرك التعقيد ، لا شيء ، من الحقيقة متناهية اليسر ، ولكن في عيون مبصرة ، وقلت دعني أترك ذاك الأعمى في وجهي ، ولتتفتق ذاتي أكثر عن ذاتي ، وليشق النور طريقا ، يعرف بالسابق مسارات الروح كيف تفتح ، وأشرت إلى المفتاح كم كان كبيرا ، مثل الجبل ، ولكنني كنت قادرة على حمله لم ينوء بي لمحة ، كالهلام كانت بوابات عملاقة ، أسوار متعاظمة ، مشيدة لكأنها أحجار مكعبة من بخار !! وزهور تروح ، وتغدو !! تتحدث الفصحى ، وبلا أفواه تبتسم !!، وخلف أنفاسي يتأرجح العبير ، لست أدري كيف تفتحت بوابات الهلام ؟! وكيف تلاشت أسوار البخار ؟! وكيف ولجت القصر السماوي !؟ وكيف جلست على الكرسي اللامرئي أمامك أضحك ؟!! حدثتك مرات ، ومرات عديدة ، عن ذلك الرجل الذي أحبه ، وأطلقت صدقي في عنانك ، لأنني أعلم أنك سماء صافية ، شفوقة ، حانية البنان ، على أطرافها تتناثر أمنياتي ، تلملم أصابعي عقب الصمت ، وتسطع بنجوم الصبر تسليني ، كم كنت أفرد تلقائك ، جميع الصفات ، التي لم أتردد لمحة في الإفصاح عنها إليك ، ألم تعلم !؟ ألم أقل لك !؟ ألم تذكرك شدة التشابه بينكما بشئ !؟ قد ضربت عنه صفحا بعيدا ، لشدة حيائي أن أعترف أنه أنت ذلك كذلك ، بل أنت ذلك العزيز المتوج فوق عروش الكرامات تتربع ، وفوق عرش ذلك القلب الحزين ، المثخن بلوعة فراقك ، التي لم تجد سوى ذلك الركن المفتت لتتكأ فيه ، دائما كان أمري مرجوعا إلي ، كصدى الكلمات حين ترتد بلا فائدة ، فلا جواز لصمتنا الخروج عما ألف ، ولا يجوز في دستور قيمنا أن نتكلم ، كل ما هنالك من مسموح ، كان زاحفا ، حذرا ، دابا على بطنة ، يتحرك في حدود صرخة بكماء ، يتقطر عرقها من بين أهداب مطبقة ، ونرى الأيام تعدو .. لكم كنت ألمحك من طرف خفي ، وأسمع في صمتك كل الكلام ، وأقرأ ما لم تكتبه عيناك ، كانت خشيتك تحيط براءتي علما ، بكل ما كنت تخاف لأجلي ، وتحذر .. كنت أتحسس رفضك من قسمات وجهك ، وأركض في عينيك ، ألملم زهور محبتك ، وأضع بين يديك صمتي ، وضعفي ، وعنق أحلامي خاضعا لتآويلك .. والآن وقد مضيت بعيدا بعيدا ، كيف تضرب جسرا باعتراض طريقي !؟ وأراك في كل شيء عدا قامتك ، أرى ابتسامتك دون شفتيك ، وأسمع صوتك دون صوتك ، وأباشر تحركاتك هنا وهناك ، وأنت في سكونك تتمدد مطمئنا ، لكأنك مطبوعا في مقلتي ، أو أنك لم تترك منك سوى ظلك تعكسه الأشياء !! كيف أهدهد ريحا تموج موجا ثائرا بأنحائي ؟تحمل العمر القديم ، فيركن إلى مرافئي شراع ماضينا ويرسو ، لكم كنت تغزل أصابع الحنان لي مهدا آمانا ، ولطالما أحرقت ابتسامتك بالصدر سهدا ، والآن تعبر في لحظ شرودي ، كالطيف يجول في تعاريج عمري وأزقة أحلامي ، يقص مصيرا صار بلا أنت ، يا لقسوة البرد في غربتي دونك ، وقد كنت المعطف الدافيء ، قبل صقيع الرحيل ، كما الشمس كنت ، في الشتاء حين ترحل . منغمس صداهم في صداك وأذني لا تسمع سواك كم من ليال فوق قبرك بت أبكي ويقبل الدمع ثراك كم من دني بالعز طوته أرضك وأنت سام في محض علاك بقي العالم دونك اليوم ، مشرعا فراغه ، بقيت الوجوه باهتة ، كأن لم تكن لها بالأمس بارقة !، الكون لا زال على حراكه عاكفا ، والسكون العاصف في قلبي واقفا ! واغتالت الأيام صوتي ، وحروفا لم تنتبه لطعنة المغتال ، أقلامي ، ما لها أقلامي واجفة !؟ ترتعش على صفحات العمر ، لم تجمع من حكاياتي بعض كليمات..، ولي أوراق تلك الحياة بدت زائفة ، نبذتها ونسيتها إلا ورقة لا نطيل بها النظر ، لهم منها كم يحلو الهروب !!، والجثوم فوق أنفاس الحقيقة عادة لا يفترون عنها ، منذ حرك الوهم في رؤسهم أزياله !، طاعنة بعدك ، بقيت في الوجد آمالي ، كهلة ! شابت أحلامي ، كنت أنت الأمان الأخير ، والحلم الأخير في ريعانه ، وبقيت لا أرى الورى سوى أفواه كاذبة !! يتحطم على ألسنتها الصدق !!، إلا طيفك أيها الصديق الغائب عن عيني ، القابع في روحي ، ألم تعد ؟؟ لنشاهد معا لعبة الكاذبين ، ونضحك من وجوههم المهترئة وتواريهم من أعيننا خلف جدران الزجاج يحسبون أنها ستائرهم !؟ ألم تعد لتخرس الأصوات دونك ، ألم أأتي إليك ؟ ما أصاب الأيام بالهوينا !؟ وأمني الروح أن غدا ، يحتل الأماكن صمتي الصريح ، وذكرى يودعها الزمان ، ذكرتك اليوم وبكيت , كأنك للتو راحلا عني , هدهدوني أخوتي , الإرث الباقي , والطيب الأخير من عطرك , وربتوا على كتفي , ثم أبكاهم بكائي , ناديتك في نفسي , استوحشت دونك حياتي , واستبطأت خطواتي خلف ما كان يخالجني من أمل , خلف ما استحوذ يوما على رغباتي , مطامحي , وما كنت أصبو إليه , خلف كل شيء يقودني لصخب الدنيا , ومرحها .. بدونك ,, من كل الأشياء بت ممتلئة متخمة الروح , والجوف شابعة , مشبعة , مترعة بفقدانك , دونك لا شيء يغريني أن أتشبث به , لئن لم تصاحبني الطريق , فما معنى الخطوات , وما معنى المسافات , وما معنى الإقامات في المدائن , والسفر , وما معنى الحياة إذن , لا شيء !! قد استحالت الناس في عين رأسي إلى حجارة تحركها الغرائز الرفيعة منها , والدنيئة !! دعك مني , من تخاريف رؤياي , وعقلي المشدوه بغربته دونك , هل كنت اليوم تسمعني , لكم تمنيت أن يستعين الكون الأبكم بصوتي , ليخبرك كم بلغت وحشتي لك , كم بلغ اشتعال اليأس المظلم بأحشاء قلبي , أن ألقاك هنا مرة أخرى , ورغم علمي وإيماني أننا هنا أبدا لن نلتقي , إلا أنني بلا قصد , أجدني أسقط دائما من فوهة هذيان في كأس اشتياق حارة , وعزائي الأبدي لذاتي هو ديدني الحارق , وتخفى الموت بزي الحياة كما السارق , كشوك الزهر تخفى خلف أريج عابق ,ما عدت أصدق نعومة الزهر لشدة جرحي , وما عدت أصدق تلك الحياة , كما قال عنها الجار البسيط ( تكشفت حقيقة أكبر الكذبات ) أطمئن عليك من روحي الهائمة حول ديارك البرزخية القريبة جدا ، والبعيدة أبدا ، أستمد السكينة والسلام من رؤياك خلف روحي ، أستمد الأمل ، كلما حلق اليأس وغيم فوق سماء فؤادي ، كلما استطاب مطر اليتم رواءا لشجيرات عجفت ، منذ امتد الظل البارد حقل جروحي ، منذ امتد الليل القاتم حتى صباحي ، قبعت روح تنزف شوقا داخل روحي ، منذ امتدت خلف الروح موائد صبر يأكل منها فاه العمر ، وتأكل منها ليال جما ، أ سيأتي بالصبر اليوم ، تستمرأ غصص مريرات ؟؟!! ، وبيده كأس مترعة يتجرع فيها الٱنات ، أ ستأتي تلك الخرفات ؟؟!! ،، والصمت يا للصمت ، يا للصمت ، جاحدة أحضان الصمت ، تتخفى فيها الصيحات ، صوت خلف الصمت تلوى ، تتجلجل فيه الصرخات ، لا يسمعه أحب أقرب لا تؤنسه سوى الخلوات ،من دونك عمري يا أبت بأكفي حفنة ويلات ، أبتي من دونك لو تنظر ، خلف كياني حدائق سود ، تلهو فيها بنان زماني ، تعبث تقطع زهر أماني ، تتمدد سرا بكياني ، منذ الزمن الماضي توهم عمري الآتي ، لحتما آت ، تعزف ألحان حزينة ، فيها تنعي وردا مات ، تفرد بعزائي أجنحة صقيع ، تمسي أجوائي باردة ترتعش فيها النبضات ، أبتي من دونك لو تنظر بعيوني !! آه لو تنظر بعيوني !! تتمايل أحلامي تمشي ، تبتعد لبضعة خطوات ، ما أبعدها دوما عني ، لو تنظر عيناك ستضحك ، من قلة تلك الخطوات ، فالقدم المبتور يا أبت من قرب ، له الخطوة ، تتبدى أعتى المسافات ، وأنت الساق والقدم ، وليست لي من قدم هنا دونك ، و ليست لي هنا خطوات ، سوى خطوة بها أقطع لك المسافات ، وحقل الروح يا أبت ، فلن أخفيك يا أبت امتلأ جروح ، والظل البارد يا أبت امتد لحدود الروح ، وتلك المذكورة يا أبت أمضت من دونك حقبا حقبا ، ليس دقائق ليس ساعات ، ولم تطرح سوى ألم ..،وبنومتي المصغرة ألفيت فسحة ، ومتسع للقاء ، للوفاء ، لاشتعال روحي أملا بقرب أكيد ، بضمة أحضن فيك الأرض بما ضاقت وما رحبت ، بما صدقت ، وما خدعت ، وما أخذت ، وما أعطت ، بقربك صفو أنفاسا ، حرمت نقائها أمدا ، وهناك لك قلت ضاقت علي أنفاسي ، وانطبقت رئتي فوق صدر الحياة ، ومازلت أستعير أنفاسا إصتناعية ، تعينني على المسير ، على المصير ، على رحلتي حتى ألقاك ; غدا آتيك من وعد قطعته لنا الأقدار , غدا تنام الشمس في عيني كما نامت بصبح رحيلك , فما عادت كما كانت تراني بوجهك الأنظار , وما عادت يديك تخط للأيام قصائدا , وما من أحد يفسر لي رؤى الأحلام , وما امتدت إلي يديك إن عثرت بيا الأقدام ,وما غطتني من برد كما كانت بعمق الليل حين أنام , باتت نوافذ غرفتي مهملة فلا تغلق بوجه الريح , وكف البرد تحسو الحزن تنثره حروفا توجع الأقلام ,فتشخص كل أوراقي ويرقص دمع أحداقي , وأكتب فيك أشياءا وأقرؤها , فلا عنها يعبر شوق , ولا يقدر لها حرمان , فلولا الدنيا أكذوبة ونحن بقيعة النسيان ,, لنال القدر محاكمتي وكنت لحكمه سجان , لكني رفعت أحزاني وشكوايا إلى الرحمن , وفاض الأمر للآمر فلست أنا سوى عبد ,يقال له أيا إنسان , ولكني بي ا وعد كمجرى الدم في الشريان , بأن آتيك من وعدي مقبلة وراضية من زمني إلى زمنك بلا أسفار , وتلك المرة لن أعد حقائبي , وكفى به دفء الأكفان . تشتبك روحي بأنامل حرف أو كلمات أحدثك ، أتذكر الأيام الخوالي ، وبيننا على الدوام موعدا ، وساعات إقتحام ، وإلتئام بين دموع ، وإبتسام ، تستحي منا عيون الشعر وجبينه المزدان بعرق الحب ، والزفرات تلهج حولنا حنينا ، تستحي منا السنين ، ونمد أيادينا آملين ! وللأرض عطاءات كاذبة !! كما الزهر كاذبا !! كما العطر كاذبا !! كما العمر كاذبا ! كأنما غمرات حلم مرتحل دابته الريح أو البراق ، أو من يسبقهما مما لا أعلم عنه ، أو مما لا أعرفه ، وغروب يستشرق، وشروق يستغرب ، وأنا تلك الروح الماثلة في كياني، في سري ، وفي ذاتي ، أنا كون يا أبت تجر مجراته أقدام ، أنا غربة ، بها وطن من الذكرى ، أنا وطن ، بكل زواياه أحزان ، وأنت هناك بعيدا حيث لا ألقاك ، وإني رغم ذاك البعد يا أملي ، حبيبي أراك فمن أين أأتي بقلب قاس يا حياك !!؟؟ومن أين ؟ وكيف يكون ؟؟ بين ضلوعي لا يبكي ! لا يذكر !ولا يفعل في تلك الدار يا قلبي سوى النسيان ، وهل ينساك ، وأين أراك في درب سوى حلمي ، ومتى للعين ستجف من الدمع ، وهل سيحين أن تربت على كتف ، قد ناء وناء من وجع به ألمي ، وفاه الليل حدثني ! ونطق الصبح من كلماتي بالكلم ! أيا حياك من أبت ، جميع الماض منصرم ولست بماض ، فأنت الجاري بالشريان كالدم أفضت وفاض من صبر فأغرقني ، وقفت ، جلست منتظر ، لعله سارق الأيام يسرقني . فيا حياك لا تحزن من البعد كما أحزن ، لواء الشوق مرفوعا بأرض الذكرى لا يركنوأرض الحب بالقلب فلم تحص ، ولن تحص لها علما أبتي ، صباحك أجمل مني ، أجمل من ندى كالقطر فوق الورود ، أجمل من عطر كعنبر وعود ، أجمل من عيني الحب إذ يعتريها الشوق بضياء الشرود ، أجمل من دهشة الأيام عند نافذة الوجود ، وأجمل من راحتي حين تخشع مني الجوانح ، وتسجد مني الجوارح لربها المعبود ، بت ملتفة بعباءة راحتي ، فوق قبوك المبارك ، أهديك دعائي ، رجائي ، وتوبتي .. ومعذرة .. فما وراء الأيام يا أبت لجج ! قد لا ندركها إلا حين تدركنا ، وتغرقنا ، ونمد يد استغاثتنا ،أيها الموج اتئد ، أشفق على من بالجهالة أهدى الفؤاد لمن يئد ، ويلمني اللوم حين تتعدى أقدامي الحدود وأبتعد ، تسألني أنفاسي المتعبة ألم نكف عن الثواء ؟! ألم نعد ؟! وأجيب هناك حب إذا مت فلن يمت ! هناك وعد لذاك الحب والوفاء دين من يعد ! أذوب ولا يذوب عهدي ، يغالني العمر ولست أنقض ، يا من سواك لم أجد . يا من تفرد بحنيني ، والأنين ، فمن سواك أحق بصلاح الولد !؟ في صدقه إليك وخالص بره في الشكر إذا حمد .: ( هان الردى ) كمغيب الشمس بالآفاق غاب الكرام بطيات الترابا قمر بكت انطفاءته السماء وانصب دمع النجم انصبابا جنازة السحاب كزفاف العروس رحيل مزين بحلو الثيابا تفيض الأرض كبدا وكمدا تميل الأرض برثائها الأقطابا كلما انطوت فيك الحياة بأسرها هلكت بنا سلفا لفقدك الألبابا لكم أدركتني أوصاب الشفق وشر مصاب المحبين الغيابا حسبك أن غمدت برحمة وغمدتني هنا الغموم الكآبا ومشيت مكره بدروب النوى أواري لوعة في سترة الجلبابا عدت ورياح الصبر لوافح يبطرني الحرور ذرعا واكتئابا أشيد الإنتظار صرحا لعلي إليك أبلغ الأسبابا آه لو أني قضيت قبلك لما أورثت نياحه العذابا أما كانت السكنى عيوني فما غرك أن تستحب الترابا رحب كان بظلك مجلسي فأمست بدونك تضيق الرحابا خطب دنا منه المنون وما حسبت القوس قابا خطب له هلك الفؤاد فهان الردى والموت استطابا واهمة ، دامت حبيبتك من فرط الجراح تعتاد !! ومر هذا اليوم ! ليس كسائر نظائره في العمر القديم !! لم أرك ، لم تقبلني ، لم أسمع ضحكاتك ، ولم تلهو طفولتي وتشاغب ، كما كانت بالأمس تلهو !! بينك وبين أسباب المرح في عينيك ..اليوم كانت مساومتي الكبرى ! أن أدع النوم بلا أرقي ، وأن يكشف الحلم لرؤياي محياك ، أو صوتك ، أو صمتك ، أو صورتك ، حينما كنت في السابق ألقاك ، لكن سقطت في بئر الصحو مساومتي !!فهيهات ! ومر النوم الهارب من عيني ! دون أن أشعر ، ومر اليوم !! ليس كسائر نظائره في العمر القديم !!! ذهب النديم ، وجاءت في عجل تداهمنا مآتمنا ، مفاتح تفتح القبر القديم ! تبعث الجرح الأليم !! لا من مرقد تبعثه ، فهو لا يغفو ، ولا يرحل ، وأنى له ! وأين إذن ؟ إن لم يبقى بين نياط القلب يقيم !! تضيق بي ، وآتي إليك !! تغلق الحلق وتستحكم ، وآتي إليك !! وأعلم أنه لا يد لك تسمح بمصافحتي ، لكنه القلب كذلك يفعل ، وذلك العرفان ، عرفان الفنن للشجرة ، رغم الفناء ، فمنك أنا ، وإليك انتمائي .. وأشكو إليك رياح الطريق وغيم الخريف وصد الندى ، لكم شبت في عروقي الحريق ، وفي الصمت لا يرتد الصدى، وهيهات مات الحبيب الصديق ، فمن ذا سيسمع رجع الندا . أنا يا أبت لا أبك الدنيا ، ولا ما فاتني فيها بل أبك الإنسان المزمن ، استخلفه الزمان على الأمكنة فما كان أهلا لها إلا قليلا . إنها تجاربنا وليس سوانا مقيد فيها ، محاكم بها ، تقصي من بريء مشاعرنا ، وتدنينا مما لا نبغي ، بأيدينا نحن وليس بأيديها . أخبرته عن رجائي ، قلت له مادمت خلفك فأنا عمياء ، مكفوفة مسحوبة ، فلا تلفتني عن سواء السبيل ،عن سواء الإقامة وحتى الرحيل ، لا تقصي عنك إنسانيتك ، إلى مكان بعيد ، لكنه يا أبت استحب طبائع الوحوش !! فاستحالت مدينتنا الباسمة ، مدينة الحب والنقاء ، مدينة أخوتنا ، إلى بريتهم الظلماء !! إنهم يجدون لأنفسم مخدعا وثيرا .. يلقون عليه بضمائرهم ، لتكون أكثر راحة ، وأعمق نوما في نفوسهم ، وكيف لهم !! أعجب وحدي ! ولطالما تعجبنا سويا !! ولست أبك اليوم يا أبت .. كما أبكتني توافههم طويلا !! لكم استعظمت ممن أحببتهم كذاتي نواقصهم ، وليس لحجمها بل لعظم قيمتهم في نفسي !! لكن المطر الذي تمسكه السماء حين يشتد الغضب ، تجنيه قواحلهم جدبا وحسرة !! ما عادوا في مراعي ذلك القلب يلهون ، ما عادوا يركضون في مدائن شراييني ، ولا في خضم محبتي يسبحون ، وما بكي القلب إلا لفيض به .. من الحب والمودة ، ما لم يخفى عن العميان ، فما بالهم إذا اختفى !! فهل من حب يحتوي معايبهم بقدر ما احتوى ميزاتهم ، فلتجهد أقدامهم بحثا عن ومضة صدق في نفوس ذويهم ، كما كانت تسطع لهم فينا ، ولتبحث أكثر ، ولتبحث .. أتحدى !! والرهان عمري ، والبرهان رجل قد أوكله الزمان بنا ينام الآن في صدري . أبي ،، هذه الأشواق إليك تعصرني أبي ،، لربما تلك الكلمات .بين فكي الحياة تخسرني ..تصيبني معرة ،، في وابل من حزن ..لم تضع الفتنة بعد أوزارها ،وما عاد سجال ..وامتدت في ذاك المدى ،قدم المحن ،، ويد الأهوال ،أللأيام رجال ، والرجال تمتحن ؟أليس عيب في الرجولة الامتهان !؟شكوت إليك ، وإذ ربما ..تضيع الشكاية في إرسال ..أو في رؤايا تختزن ..أيا سوق شعيب .. إليك شكوت ..ردي الحال !عجبت لسيء الأفعال !!يخسر في قيمة الأكيال ،،يبيع ، يشري ، ويبتسم !!فلا أدري عما رضي !؟ولا أدري كيف اتزن !؟ وزن الحبيب حبيبه بالمال !!فما استقام له القسطاس فيما وزن !!فما للحد من يقيمه ؟ ومن يطبقه ؟من بين أصلاب المحال ولد المحال !!صار الدم بيننا مياه ، والماء أظنه قد أسن . زيارة ما أجمل طلتك من خلف الحياة !! كعادتك مذ رحلت ، سنوات تسع ، ولم تنسى موعدنا في مثل هذا الشهر من كل عام ، رأيتك جميلا تمد يدك إلي من نافذة رؤياي تصافحني !! فهل هو عهد قطعته على نفسك ومضيت في سبيله تفي ؟! أم أنها بركات تحل على ديارنا ودياركم ، فتمنحنا اللقاء !! كم كنت جميل ، وصرت هناك أجمل ،، وفي كل عام أراك أجمل وأجمل ..اشتقت إليك كثيرا ليس كل ما يخط القلب يعرض ..، في ذروة الأحزان تنضج الأحرف ، وتينع الكلمات .. وأصدق المداد دماء ، ودموع ساخنات .. توشك أن تودق الأشياء مواساتها ، وتحل انكسارات الضوء ،، تتراخى الأقدام وتنهزم المقاعد ،، وتشد الأوراق مآزرا ، لتجابه سطوة العبارات الصارخة ، والتعابير الجارفة ، تتحدب الدهور إشفاقا لما استعر منها وتنثني ، كلما اقترب المجروح نحو جرحه ، وانسجم المسرور بسعادته ، كلما زهى المختال عجبا ، وأرقت المضاجع صبر المعنى شجبا ، كلما هذيت بك روحي توقا ، واشتياقا ، ستظل أجمل الأوصاف لم توصف ، وأجمل الحروف طي الخيالات مضمرة ، وللمشاعر نشوء وإرتقاء ، تتشقق عنها الروح فتنمو وتعلو حتى تلثمها السماء ، وأنت الحب مفروش من النبض إلى ما شاءت الآباد .. والحب يا حبيبي ♡ كلما اشتد للأيام ساعده ،، لملم عن عينيها مجاليد الدمع والمآسي .. علم الروح النجاة والسفن المراسي .. وأين أنت مني يا مجدافي وطوقي ، ماجت الأبحر وناحت الشطآن ، وابتلت مناديلي وأحلاسي ، الموت والحياة يا حبيبي ♡ تراقصا ،، رقصة الحب فوق أجداثي ، وأين أنت مني ، أشكو العدوين الحليفين ..فقد أطفئا في عيني ثريات الدروب والرؤى !! وكنت لي نورا يوقده نبراسي ،، وأينك ياحبيبي ♡ يا ميت في برزخ الروح حيا ، من لي سواك بعد الله حيا ، ما لي فلا تعجب !! وقد ودعت أفواجا ما بينهم وفيا .. سوا منديلك الأبيض جرعته من دمعي مليا ،،وعطرك المسكوب في جلباب زكيا .. أشتمه كلما تقت إليك ، كلما ذكرت قبلة مطبوعة فوق خدي تلمسها يديا .. وأينك مني يا مني ولي عهدا علي . سنة أتابع عيناك .. تتبع خطواتك نواظري .. وأرقب يديك المرتعشتين .. المستسلمتين إلى فرش الرحيل .. سنة تنهشني أنياب الشك .. أتحين الرؤى لأستقرئ منها كم عبث قلبي وكم صدق .. سنة أزرع الوهم المخادع في أصص الأمل وأحبك كما لم أحب .. أتعلق في حبائل الأيام راجية .. وأربت على ظهر الزهر الحزين ..، سنة تلملم كل الخيوط ما بيننا وتنسج أغوار الحقائب وتغط في الحقيقة بعينين لامعتين .. ينساب منها الوداع لي ولا تلوح.. سنة تضم روحي ضمتك الأخيرة وتطبع أحلامي بقبل إنتظار لا قبل لي بها تستلهمني العذاب .. سنة تذبل أندائها الممتدة المريرة .. روابي الروح فتجف .. فيذروها الضباب إلى فصول النسيان .. سنة وتمضي هكذا ، كما الطير المسافر بلا شوق ، يضم بجناحيه القدر لا ولم ولن يعد . سنة ويعقبها عشر وشهر ودمع كثير زمن وألقي سلامي عليك ،، يمر الزمان ويمضى غريبا ودونك .. أحبك .. ويبقى فؤادي لزمنك أسير .