شاعر ومشاعر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شاعر ومشاعر

كلماتنا قنينة ومدادها مشاعرنا


    لماذا كلن الماضي أجمل ؟؟

    Ozlim
    Ozlim
    Admin


    المساهمات : 2094
    تاريخ التسجيل : 27/09/2015
    العمر : 63

    لماذا كلن الماضي أجمل ؟؟ Empty لماذا كلن الماضي أجمل ؟؟

    مُساهمة من طرف Ozlim الثلاثاء يناير 03, 2023 2:59 am

    وكلما قرأت شيء من الماضي جرت دموعي , وتاقت روحي للرحيل عبر الماضي الودود , والنقوس الصافية , وسيادة الإحترام المتبادل بين الناس , والألقاب المجازية التي تعطي لكل شخص تقديرة الخاص , وتلقي عليه مسئولية مراعاة ما لقب به , من لياقة , وخلق , وسلوكيات تليق بلقبه كفلان أفندي التي كانت تطلق على الطالب الجامعي , وموظفوا الدولة البسطاء آنذاك , وفلان بيه حيث كانت تطلق على أصحاب المهن المرموقة , والوظائف العليا , وبعض مبتاعين اللقب من عامة الشعب من ذوي رؤس الأموال , وفلان باشا , ومعالي الباشا مما أطلق على عليةِ القوم في ذلك الوقت , وفي ذلك الوقت كانت أيضا تمييز المرأة بأعلى درجات الإحترام والتبجيل من قبل المجتمع , فكانت فلانه هانم , والسيدة فلانه والست فلانه , وكل مسئول عن مظهر سلوكياته بما يليق بلقبه , ومكانته الإجتماعية أي ان كانت طبقته المادية أو درجته العلمية , وما كان يحيط المجتمع من سلوكيات لم أكاد أراها في عصرنا هذا , من مودة الناس , وألفتهم , وجمعهم في الأفراح , والأتراح وصحبتهم , وليالي السمر المصحوبة ببعض أغاني التراث , كحفلات أم كلثوم , وفريد الأطرش , وغيرهم , أو التواشيح الاسلامية , وأرواحهم الخفيفة , وسلامة قلوبهم البسيطة من كل ما يعكر صفو الحياة , كانت ضحكاتهم من القلب , وأفعالهم من القلب وكلماتهم من ذات القلب ثؤثر الغريب , وتسر الحزين , وتشفي العليل , كان سعيهم في الخير , وحمل هموم ذويهم , وجيرانهم وكل من يعرفونه في محيطهم , إنها لأشياء أتعجب من صدقها , والشغف بها مقارنة بحالنا الذي أكاد أجزم أنه لا يوجد أحدا يضع رأسه على وسادته ليلا حاملا هما سوى همه , أو ذاكرا لحاجة شخص سوى ذاته , أو متألما ﻷلم غيره ألقته الظروف في نكبة , أو جارت عليه الأيام بأكدارها إلا قليل من أصحاب القلوب التي مازالت حيه ولعلهم معدودون على أصابع اليد في كل مليوني شخص إن أردنا إحصائا ,  حقا أتوق إلى ذلك الماضي البعيد بكل ملامحه البعيدة عن وجودنا , وحيزنا الضيق المختنق بتلوث الهواء والماء والتراب والقلوب وكأن مكونات الإنسان الأساسية التي اختلطت من قديم الأزل ليصنع منها حين تلوثت أجبرته هو ذاته أن يتلوث , وللأسف تلوثت الأصول بفعل فروعها , ولعل الناس في ذلك العصر الهاديء الحنون كانوا يعيشون ببساطة شديدة تماشيا مع مبدأ الفيلسوف الألماني المتفائل جدا الذي كان يقول (كل شيء على ما يرام وهذا العالم هو أفضل عالم يحتمل أن يكون موجودا في الكون ) ، هكذا كانت نظرتهم أكثر هدوئا وأشد تؤدة وتأنٍ على أسفلت الحياة , لذلك كانوا أمهر قيادة , وأقل صدمات من ما نحن عليه , ولعل ذلك كان يظهر في البيوت ذات المستويات المتوسطة الحال , فترى الأب مكتف بوظيفته التي يأتي عائدا منها بعد الظهر , ليتناول غداؤه في وسط  زوجته الرؤوم وأبناؤه و الذين عادوا من مدارسهم قبل قليل متهيئين لإنتظار الجمع على سفرة الطعام أي ان كانت مائدة , أو (الطبلية البلدي) التي كانت لاتخلو منها معظم البيوت المصرية آنذاك ، وبمجرد الإنتهاء من وجبة الغداء يأتي وقت القيلولة التي اعتادت عليها الأسر المصريون بطبقاتهم المختلفة على حد سواء , وعند الاستيقاظ قبل الغروب بقليل يأتي وقت تقديم كاسات الشاي (الفايف كلوك تي) عند الأرستقراط , ويبدأ الحديث , والسمر بين الزوجين فالزوج يجد في زوجته الحائط الذي يلقي عليه احاديث النهار,  والفضفضة عن بعض معاناته التي تواجهه أثناء فترة العمل , وهي لا تمل بل تجد في ذلك اشباعا لنهمها في الحوار  و(الرغي النسائي ) وتفريغ طاقاتها الكلامية المكبوته طوال فترة النهار في انتظار من يفك لسانها المعقود (مؤقتا ) إلى أن تأتي الساعة الحاسمة , وتنطلق بكل ما يخطر , وما لا يخطر على بال من قصص الجيران ومشبك الغسيل الذي سقط سهوا عند الجيران ونادية بنت أم فتحي التي قرأت فتحتها على محمود العجلاتي , وما حدث في السوق من منازعة بين بائعة الطماطم والزبونه والتي انتهت بالضرب وشد شعور بعضهما ومن ثم الى قسم الشرطة والسبب اختفاء واحده من حبات كيلوا الطماطم أثناء التعبئة تحت جلابية البائعة واتهام الزبونه لها بالسرقة والغش في الميزان ,  واصبعها الذي جرح اثناء تقطيع البصل , ثم الدخول بسحر خاطف لعرض لائحة الطلبات , والاشياء التي تنقص البيت وإما ان تشب بينهم منازعه كبري تنتهي بالخصام ثم المصالحة في اخر الليل , ام أن يخرج الامر عن الحد المعقول للمنازعة فتترك الزوجة المنزل , ليبكي الأطفال للأب , وفي اليوم الثاني يذهب ليأتي بها مع تحقيق كل الشروط على حساب المهية الهزيلة الصحة والعافية , الأمر كان يسيرا جدا في أوقات السلم والحرب , وبرغم كل شيء كان المجتمع يسوده رباط قوي على الصعيدين العائلي , والإجتماعي من صداقات , وجيرة ولذلك نسمع دائما من المسنين دهشتهم لسرعة مرور اليوم في مقابل طوله , وبركته أيام زمان ، اكتشفت اننا سببا وعاملا رئيسيا في سرعة مرور الأيام فقد غطت متطلباتنا , وأهدافنا , وما نتوق إليه أعمارنا فشراهة الرغبات , وكثرة الأهداف أدى إلى قصر الوقت مقابل ما نحتاج إليه من عمر مضاعف لإشباعها , فتذهب الأيام يوم تلو الأخرجفاء ومازلنا نلهث وراء أشياء ربما إن كسرنا قاعدة الحياة التي تنص على النوم  ليلا والاستيقاظ نهارا , وهذا بالطبع غير منطقي لــ نلنا ,ولـ حققنا كل هذه الرغبات الجما ، وأعود ثانية إلى الماضي الودو ، ﻷصف الحب هناك والذي لا يمت بصلة للحب الذي نستخدم فقط لفظه دون معناه , ولربما ترجع بعض الأسباب مجازا إلى الجفاف الذي ساد السماء , فثأثرت الأرض , وقلوب من عليها , والسماء هنا إشارة إالى الرجل , والأرض أشير بها للمرأة , فحين أمسكت السماء عن هطولها جفت الأرض فما عادت تنبت النتبت الطيب الصالح وما عادت تضفي بألوان نباتها جمالا على الحياة , فقل الصالحون , وبهتت النفوس , ,وأضفت كئابة الأرض كل ألوان الفساد على أبنائها ، فاﻷم المرتوية بالحب , والحنان , والمشبعة بالعطف , والإحاطة هي فقط من تستطيع بث كل هذه المشاعر لأبنائها , فتعلمهم المحبة التي تفيض منها , وتزرع فيهم الفضائل , والمودة  وتصنع فيهم الإنسانية , فتنبت من بين يديها خير النبت , ولن يتسنى لها أن تفعل ذلك إلا بوجود الحافز والمعين , وهو خير السماء حين يغدق فتحيا الأرض , وتحيي من عليها.
    كان الماضي أجمل ، فلم أنكر أن منغصات الحياة هي سنة ودولة بين حقب الزمان , وعلى مر العصور يصعب أن تخلو الحياة منها , ولكن يمكن أن تقلل بما يتناسب مع انسانيتنا وشغفنا بالسلام الروحي والنفسي , وتهافتنا إالى محض السعادة والسكينة , وليس معنى ذلك أننا دائما نرى الماضي أجمل أنه كان يخلو من المنغصات , والمصائب , والاحزان كلا ، بل أجمل بحجم فهم من عاشوا فيه , وبقدر رضاهم , وسعادتهم بما يملكون وإن كان قليل ، نحن نعاني من عدم الرضا عن كل شيء في حياتنا , فالرجل لم يرضى بزوجته التي اختارها بنفسه , ولم يفرضها عليه أحد والزوجة لم ترضى بحال زوجها التي ارتضته من قبل دون أي ضغوط وبكامل إيرادتها , والبعض لم يرضى عن أبناءه حين يقارنهم بأبناء غيره , والبعض لم يرضى عن عمله , والبعض لم يرضى عن بيته , والبعض لم يرضى عن حياته , ولو فرضنا إمكانية التبديل في حياتنا فبكل جزم ويقين لن يرضى أحد عن دوره الجديد الذي تمناه من بعيد وهو على حاله المقدربسابق القدر المكتوب , ولو أننا أدركنا ذلك لما ضاقت علينا رحاب الارض وما زهدنا فيما نملكه , لأن السنة الألهية تقتضي بالعدل , والقدرة , والحكمة فلم يعطي الله الأنسان غير الذي يحتاجه وغير الذي يقدر عليه , ويحتمله , والله أعلم بنا من أنفسنا فهو يعلم حدود سعادتنا ,وعند أي حد يتوقف استيعبها لدينا , كما أنه يعلم حدود النور الذي تقدرعلى استيعابه نفوسنا , فنبصر, ونستبصر به , ونشق سبلنا بأيدينا من خلاله , ونعلم ما لنا , وما علينا ، كما أن الله يعطي باالقدر المناسب , فلو أن الله أبدل نزول المصائب على قوم , وأنزلها على أخرين لاختل النظام واختل توازن البشر فقد يموت ابنا لأحد الأسر واللوعة تسكن قلوبهم , لكنهم قادرين على تحمل ذلك التكليف بأقصى ما أتوا من وسع , ولو أن الله أبدل ما قُدر من قبل , وأمات ابنا لأسرة غيرها ما كان في سابق التقدير أن يموت لهم إبنا , لربما ماتوا قهرا من عدم تحمل المصيبة , أو ربما كفروا لشدة يأسهم , وقنوطهم , وعدم تحمل سعتهم لهذا التكليف , وعلى العكس لو أن الله أعطى سعادة غير مقدرة لشخص ما , وأخذها من شخص كانت مقدرة له من قبل , فربما طغى بها هذا الشخص , وربما فجر , وربما كفر, وربما ساءت خاتمته فالله يعلم كيف يعطي , وماذا يعطي , ولمن يعطي وإذا لم تعرف أنت نفسك أيها الإنسان لمن ستعطي , وأي حاجة تلح على المُعطى إليه , فكيف ستعطية ??!! فتعالى الله له المثل الأعلى هو أحق بتلك المعرفة ، وعلى أية حال فما زين الماضي لقلبي هو الرضا الذي مارسوه أصحابه فعاشوا عمرا أطول ليس بحساب اﻷجل بل ببركة الأيام وقلة الحاجات مقارنة بما نحن عليه الأن  فلعلنا نفهم ونستوعب لماذا كان الماضي أجمل .

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 5:07 pm