شاعر ومشاعر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شاعر ومشاعر

كلماتنا قنينة ومدادها مشاعرنا


    أركان ضبابية ......

    Ozlim
    Ozlim
    Admin


    المساهمات : 2094
    تاريخ التسجيل : 27/09/2015
    العمر : 63

    أركان ضبابية ...... Empty أركان ضبابية ......

    مُساهمة من طرف Ozlim الأربعاء أغسطس 11, 2021 2:18 am

    اليوم جلست أنا وذاكرتي ، أجوبها وأستجوبها عما حفظته في الأركان الضبابية ، وفتشت كثيرا وفتشت ، كنت أنبش فيها كالذي ينبش في رمال الشاطيء ليستخرج الأصداف ، والقواقع البديعة المنظر ، من أعمق نقطة أوصله إليها التعب .. لكنني لم أبلغ من التعب والجهد سوى الشيء اليسير ، كنت أبحث بشغف ، عن طفلة حملها تيار الزمان ، فتاهت في مسارب ذاتي ، فإذا بي أجد لوحة بسيطة التفاصيل ، وقد أخفاها الضباب المتكاثف في جزء ما من ذاكرتي ، فأخرجتها ومسحت عنها أثر الضباب ، تظهر فيها تلك الطفلة الصغيرة التي تركض من دون تعب ، وراء الفراشات البيضاء والفراشات الملونة ، والتي إذا أتعبتها الأماني ! تركت ذراعيها محلقين في الهواء ، لتهوي فوق الحشائش الناعمة ، إنها أنا !! أراها بوضوح الآن في حديقة خضراء بجوار بيت كبير له بوابة خشبية عملاقة ، وقتذاك ؛ كنت أشعر أنني بجوارها لا أتعدى حجم عقلة الإصبع ..، إنه بيت جدي .. نعم هو ! بيت العائلة الذي ضمني وضم أولى ذكراياتي ، وتظهر في اللوحة حيوانات أليفة كالقط الضخم مشعث الشعر (ممش )، مشمشي اللون ، كل ما توصلت إليه ، من خلال عشقه وتواجده الدائم في حضن عمتي ، أن هناك صلة قرابة تربطني به ، وبذلك تكونت لدي فكرة أنه إبن عمتي الوحيد ، رغم أنها لم تتزوج آنذاك ، كنت أحذره بشدة ، وذلك قبل المصالحة التي عقدت بيني وبين بني قطيط ، بعد الخدوش التي أحدثها لي ، بسبب مداعبة زيله الثخين جدا ثائر الشعر ، حيث أصابني ببعض الجروح في ذراعي وأصابعي ، وهناك إلى جانب البوابة الخشبية العملاقة تقف (فانتازيا )جميلة الكلبات ، الكلبة البيضاء حراسة المنزل ، وأطفالها الصغار يداعبونها وتداعبهم ، ويبعد قليلا عنهم (ركس) وهو كلب أسود ضخم البنية لم أكن أحبه مطلقا لشراسة منظره ، وإلى اليمين من بيت جدي كانت الأرض تنخفض قليلا ، وكانت حديقة ابي الخاصة ، والتي كان يقوم على رعاية نباتاتها ، حيث تقف في شموخ شجرتي الجوافة ، وشجرة النارينج ، والتي كلما وجدت طلع ثمارها أصر ان أتذوق البرتقال ، ومهما أتوا بلفيف من العائلة ، وقاموا بإقناعي أنها ثمرة نارينج وليس ببرتقال ، ما كنت لأقتنع ، وتوهمت أنهم لا يريدون إعطائي برتقالا !! ويزداد إصراري ، حتى يضطر عمي الحبيب قطف واحدة منها ، ليذيقني إياها ، حتى يرى على وجهي آثار التعذيب ، فيعيد المحاولة فلا أعود للتذوق ثانية ، وأيام وأنسى وأعود أوهم نفسي ان واحدة اخرى ستطلع في هذه المرة برتقالا ، وما يعني نارنج هذا ، الذي يشبه البرتقال ، إلى حد عدم التفريق بينهما ؟! وهكذا إلى ما شاء الله ، ومع الأيام أقنعت البقرة الصغيرة التي تنام في عقلي ، حين استيقظت أنه برتقالا مرا وأن هذه الشجرة خبيثة وهذا ما توصل إليه ذكائي الفذ ..، تحت الشجرة كانت المقاعد الخشبية البلاستيكية تلتف بشكل دائري حول طاولة مستديرة ، والتي كان بالإمكان فصلها لقطعتين وإعادة تركيبها ، وكالعادة كان علي أن أقوم بفصلها لأراها قطعتين ، وذلك لأن القطعة الواحدة منها يمكن أن تكون طاولة قصيرة أستطيع الوصول إليها ، حتى تأتي جدتي بوجه صبوح مشرق كشمس الضحى !! بالمشروبات الروحية كما أطلق عليها كالشاي والقهوة ، وهنا أضطر لترك القطعتين للعودة من جديد والمعانقة بعد الفراق ، لتصبح طاولة طويلة مناسبة للكبار ، أما أنا فلا لعب لي بعد الطاولة المغتصبة من أرض معركتي ، إلا الركض خلف الفراشات ، وكلي رجاءا وشغفا ، أن أتمكن من الإمساك بها ، كان أحب أصدقاء والدي له ولي أنا أيضا ، يجلس مع والدي وعمي يرتشفان قهوتهما ويتبادلا الحديث ، حيث قام والدي لعدة دقائق داخل المنزل ، وترك صديقه ، والذي كنت أناديه ب عمو هو الأخر ، كان يمسك بيده كتابا له جلدة سوداء ، ربما هو مجلد كبير او مرجعا لا أدري تحديدا فقد كان ذلك الرجل متنورا ومثقفا ويحب العلم أذكر أنه قضى عمره في الدراسة والحصول على أعلى الشهادات من عدة جامعات مختلفة ، فقد حصل على بكالوريوس الإقتصاد والعلوم السياسية ، ومنها إلى الحقوق ، ومنها إلى الآداب قسم الفلسفة ، إلى أن شارف الخمسة وخمسون عاما وهو يقضي في محراب العلم أيام حياته ، رأيت الفراشة البرتقالية التي أتعبني الركض وراءها ، سقطت في قبضة كتابه بلا شفقة ولا رحمة ، بعد خطة محكمة منه تقوم على مهارة التحنط دون حركة ، دون نفس ، ليظهر وكأنه تمثالا ، أو جذعا ألقاه القدر في مسارها الجوي وقال لي : انظري .. أهذه التي أتعبتك ؟؟ نظرت بحذر شديد وصدمة طفل لأول مرة يشاهد الموت بعينيه ، وكيف يفعل بالكائنات إذا حل بهم !! فيخمد أسباب الحياة لديهم ، ويطفئ بهجتهم ، وبهجة الأماكن المحتفية ، المنتشية بهم، المتباهية بسحرهم الخلاب في وجودهم ، وبهجةالناظرين إليهم ، وبرغم رغبتي العارمة في الإمساك بها ، والتعب ورائها ، إلا أنني تألمت بشدة لرؤيتها ، مفرودة الجناحين كالزهرة المتفتحة ، وقد أطبقت عليها أنياب صفحات كتابه لتلتهمها ، فنفقت حياتها ، وسكنت ، ورقدت في سلام وأمان بين دفتي الكتاب ، إستعدادا لمواسم الجفاف ، التى ليس يعود بعدها صحو ، بكيت بكاءا شديدا في ركن لم يشعر بي أحد ، وتمنيت لو يعود الوقت للخلف بضع دقائق وأتظاهر أمام ذلك السفاح ، الذي سفك حياتها بلا وجه حق ، بأنني لست آبهة للفراشات ، حتى يتركها ولا يعمل عقله بعقلها ، ويقتلها لأجلي ، وأنا ما رغبت في ذلك ، تمنيت لو أني أركض وراءها عمري كله ، متعبة الخطو ألهث مجهدة ، ولا أتمكن من مسها أو الإمساك بها تكفيني متعة الأمل ، ولا تموت بتلك الطريقة البشعة ، ولا وأكون سببا في قتلها ، فلم يسعدني ذلك أبدا ، كم كانت رقيقة بلونها البرتقالي القاني ، المزرفش باللون الأسود ، ولكن ليس بيدي بل بيدي السفاح ، ومكثت كثيرا من الوقت ألوم نفسي ، وأنكل في ذاتي ، وأطلقت عليه اسم عمو السفاح ، وقل حبي له كثيرا ، فبغضت رؤيته وكلما زار والدي أختبئ منه خلف ستائر المنزل ، وعدت لا أستقبله بحفاوة ما قبل الجريمة ، وأشعر أنني إذا إقتربت منه أنه سيطبق على أنقاسي كتابه ، بعدما أستحيل إلى فراشة تلقائيا ، وكأن الكون كله من حولى ، وحوله سيستحيل إلى فراشات ، وهو القاتل الوحيد ، وأنا الشاهد الوحيد ، هكذا مضيت وقتا رائعا بتلك اللوحة المشمسة الخضراء البريئة ، ذات الزهور الصفراء والزرقاء والبيضاء ، كان من الجميل أن أجد تلك اللوحة ، مازالت تستند إلى جداران ذاكرتي في الأركان الضبابية ، تذكرت وابتسمت كم كنا أبرياء ..

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 6:00 pm