شاعر ومشاعر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شاعر ومشاعر

كلماتنا قنينة ومدادها مشاعرنا


    الحزن الوردي........

    Ozlim
    Ozlim
    Admin


    المساهمات : 2094
    تاريخ التسجيل : 27/09/2015
    العمر : 63

    الحزن الوردي........ Empty الحزن الوردي........

    مُساهمة من طرف Ozlim الأربعاء يونيو 23, 2021 4:54 pm

    الحزن الوردي

    الحزن الوردي..
    أخبرت صديقتي ذات مساء..أنني مررت بتجربة عاطفية نباتية ، وتعلمت معانٍ كثيرة للحب .. تعلمتها كما لم أتعلمها من البشر من غصن شجرة وردية ، مُحبة ، ووفية ..نظرت إليّ كعادتها بمزيج من علامات التعجب واللامبالاة!! فهي دائمة الحجر على مشاعري والنقد الشديد للخيالية الحالمة.. والتي أصر رغم فرضيات الواقع الناعق ليل نهار ، بكل ما يثير في النفس من التألم ، والحزن ، والكآبة أن أعيشها بكل صدق ، وبالرغم من أنها تصفني بعذبة المشاعر إلا أنها لم تنطق بكلمة واحدة ، تعبر حتى عن شغفها بالحديث معي في ذلك .. أو تبدي أستفهاما كعادتها .. أو حتى استياء .. لكنني بادرتُها بابتسامة ، وقبَّلتُها أستجدي منها في ذلك فرصة .. لإكمال الحوار التافه من وجهة نظرها المعهودة بالنسبة لي .. قلت لها : أعلم ما تقولين في نفسك جننت يا صديقتي ! هل حقا ما أقول؟؟ فبادرتني بابتسامة وإيماءة خفيفة بتعابيرها ، وعينيها وكأنها وافقتني على ما أقول.
    - لا لم أفعل بعد .. لقد تعديت مراحل الجنون ، والعقل أيضا !!سأروي لك قصة حبي ، وعذابي النباتية ، الوردية ، المتسلقة .. حيث أنها بدأت بجذر صغير جداً لشجرة ورد أرجوانية ، والتي غرستها في أصيص هرِم كبير السن .. قد أسند ظهره إلى جدار مشمس بشرفتي طويلا ينتظر ، ذلك الجذر الحيوي طيلة خمسة عشر عاما لم يشرب الماء ، ولم أضع به شيئا من الحياة ، وها هو اليوم يضجّ بأوراق الورد ، وبتلاته الصغيرة وكأنها أحفاده الصغار .. يكبرون في كنفه يوما بعد يوم ..ليعتدل بدوره اعتدال الجدّ الوقور الذي سافر بالعمر معهم إلى بدايات حياته مع الجوري ، وعصافير الزيبرا ، والكنارية ، ونباتاتي المتسلقة حيث كانت هوايتي ، والتي طالما لونت بها قالبه ، وحياته .. إنتهى فصل الربيع ، وها قد أتى زائرنا المراوغ ، الملتهب نهارا يلفحنا بحرارته ، ويغضب أجسادنا ، ويستمتع بعبوس وجوهنا ، ويعود في المساء يرخي علينا نسماته .. يحاول أن يتصالح معنا لكي يزول سوء التفاهم ، ونعذر ذلك الأخ المأمور من جديد في كل يوم إلى أن يمضي ، ويحل مكانه أخوه الخريف .. نعم تصالحنا في تلك الليلة النسماء .. قد كنت أجلس في غرفتي أدون بعض الكلمات ، وحين انتهيت خطر لي أن أقضي بعض الوقت في شرفتي المطلة على الشارع الجانبي ، و الذي غالبا لا يمر به أحد لقلة العابرين..حيث أنه لا يؤدي إلى مكان.. أُغلق بجدار لأحد منازل الجيران ..دخلت حاملة الكرسيّ المفضل لدي ، وبصحبتي راديو صغير .. حيث أنني مولعة بالموسيقى الهادئة ، وعلى الأخص الموسيقى التركية الحزينة التي تثير شجني ، وتجعلني أتقطر مشاعر ، وكلمات .. وعلى غير عادتي في ذلك المساء جلست معطية ظهري لشجرتي الوارفة ، الرائعة أرجوانيتي المدللة .. مرت بعض النسمات تقبلني ، وأنا منتشية مغمضة العينين .. وكأنني أتلمس الهواء بل ، وأحتضنه بأحاسيسي .. وقد عبر شذاً وردي على حدود مستنشقي فالتفت لمدللتي أنهل من رائحتها ، وشذا عبيرها ، وأشبع روحي منها ..وإذا بي ألمح الحب !! أين الحب ؟وكيف ألمحه؟ -لا تنظري إليَّ هكذا ..اِنتظري سأحكي لكِ.. نظرت فإذا بغصن مورق الزهر يتمدد بحنان من سُور شرفتي وصولا إلى غصن نام طويلا ، وحيداً ، مترباً ، مهملاً على شرفة الجيران حتى رأيته تلك الليلة يضج بالحياة !! رأيتهما معا يلتفان بطريقة لولبية .. وكأنهما أصبحا غصنا واحدا .. رأيتهما متلبسين بالحب!! لا تقاطعيني وانتظري .. قالت : أنا لم أتكلم أتتوهمين كلامي .. قلت لا عليك .. لكأنك ،، لكأنك ..نعم انتظري ..إقتربت أحدثهما ، وكأنني أتعمد إحراجهما ..منذ متى هذه العلاقة ؟؟ كل ذلك يحدث من خلفي ، ولم أدرِ بكما أيها العاشقان ، كان جمالا غريبا لم أرى عشق النبات من قبل .. لكنني في تلك الأمسية الأرجوانية رأيته ، وكانت تسليتي كلما مللت الحياة غزوت شرفتي ..أتابع تطورات القصة الأرجوانية .. لأجد يوما بعد يوم يزيد الرباط ، ويتوغل غصن شجرتي بغصن الجيران ، وكلما سقيت الشجرة نمت ، واشتدت ، وتورقت ، ونمت معها الأخرى وتورقت ..عجيب أمرهما!! فشجرة جيراننا مهمله لا تُسقى ماء ، ولا تطعم اهتماما.. فهل يحيها الحب!؟ نعم يبدو كذلك ..أتعلمين يا صديقتي.. كنت أستقي منهما الحب ليال أشاركهما تلك العلاقة الرائعة .. كنت أتمنى أن تبقى علاقتهما أبدية.. فمثل هذا الحب النقي ، والعلاقة النادرة من الخسائر الفادحة في حياتنا ، أن تنتهي ،فمن الصعب أن تتكون مرة أخرى في مثل هذه الظروف.. فقد اجتمع الزمان ، والمكان لينبت حبهما ، ويسدد عشقهما.. ويشق بينهما طريقا للتلاقي ، والرباط الوثيق .. هكذا عشقت معهما ، وكنت شاهدا على قصتهما ، ومُلئتْ بهما أوقاتي.. أتابع كيف للعشق أن يستحوذ حتى على النبات بكل هذا الشوق ، والتعلق ، وضجيج الحياة ، وثورة الألوان الزاهية بين غصنيهما ..جميل أن نرى الحب في كل الأشياء حولنا .. فيكفي أنه لازال غافيا في قلوب البشر .. لكنه قد حدث ما لم أتوقع ، وما أبشعه .. استلت كل سيوف الفراق ، والألم لتقطع روحي .. فقد قضيت بعض الأيام في بيت والدتي وعدت لأرى أبشع جريمة قتل .. فقد رأيت أحد عمال الطلاء يقف على سور شرفة الجيران ، ويقوم بطلائها فجن جنوني .. وصعدت إلى شقتي أتكفأ على الدرج .. دخلت شرفتي شعرت بالهزيمة ، وتكالبت أحزان الدنيا على قلبي ، ولم يسعني سوى البكاء عندما رأيت غصني مستلقيا حزينا.. كأنه ثمل ، أو في حالة هذيان..بعضه فوق سور الشرفة ، والبعض الأخر قد تدلى أسفله وكأنه يتيم هزيل ، أو أن الصدمة أسكرته.. لن يصدق أحد كم كانت علامات الحزن ، والأسى ينطق بملامح على الشجرة رغم أنها تقف بأكملها كما كانت ..لكنني قرأت الحزن في شموخها المهزوم كما أقرأه في عيون المحزونين ..لا أدري كيف بتروها هكذا بلا رحمة ، بلا شفقة ، وكيف استهانوا بتلك العلاقة الهادئة ، النادرة .. مازالت صديقتي تنظر إليّ وأنا أروي لها قصتي وتضحك ساخرة وأنا أعلم من أي شيء تضحك , لكن لا عتب عليها ، ولا عجب في ذلك ..بادرتها ألم تتأثري ممّا قصصته عليكِ؟؟ - قالت دون مبالاة.. شيء عادي لا تعطي الأمور أكبر من حجمها ، ولا تتأثري كثيرا.. يبدو أنك آيلة إلى فقدان عقلك ..قلت لا بل قلبي هو من فُقد ..حين رأيت الحزن , الحزن الوردي ، والدمع المنسي.. لو أنكِ رأيتِ النجمة البعيدة تواسيني ، ودموعها تعكس بريق دمعي .. كانت معي شاهدة على القصة ، والزمان الجميل لكن الزمان لا يسمح لمثل ذلك الحب أن يمكث في طريقه .. ماتت شجرة الورد بعد ما سقط الغصن مريضا يرفض أوراقة ، وتذبل زهراته لا ماء عاد يحيه ، وحتى محاولات الشمس في عودته.. فقد الأمان بين أحضان الطبيعة ..كان حضن واحد كفيلا بأن يضمن له الحياة ، وقررت لهما الفراق الأبدي ، والموت المحتوم

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 4:08 pm